صباح الخير يا سوف

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

•.¸.•°™ منتديات معبرة عن ثقافات وادي سوف ™°•.¸.•°


    ديوان (لك يارسول الله) نموذجاً الفن في حرم النبوة منزلة بين المنزلتين

    جنة الفردوس
    جنة الفردوس
    مبدع جديد
    مبدع جديد


    انثى عدد الرسائل : 20
    تبادل اعلاني : ديوان (لك يارسول الله) نموذجاً الفن في حرم النبوة منزلة بين المنزلتين Addana-blu_18
    تاريخ التسجيل : 21/05/2008

    ديوان (لك يارسول الله) نموذجاً الفن في حرم النبوة منزلة بين المنزلتين Empty ديوان (لك يارسول الله) نموذجاً الفن في حرم النبوة منزلة بين المنزلتين

    مُساهمة من طرف جنة الفردوس الإثنين يونيو 02, 2008 10:01 am


    عبدالغني المقرمي
    على مدى تاريخ الشعر، وبامتداد مسيرته الضاربة في القدم مثل فن المدح إطارا تمجيديا لمنظومة الأخلاق الإنسانية المختلفة، وفي ذات الإطار خلد الشعر أسماء كثيرة، وحفرها في ذاكرة القصيدة نماذج رائعة كُتب لها أن تستمر حية متجددة في أسفار الشعر، وبذلك يمكن القول إن الإنسانية المفترضة في الممدوحين ما كان لها أن تُخلّد في أشخاصٍ لولا الإطار الفني الذي وضعها فيه الشعر، فالفن إذا منزلة دونها منزلة الإنسانية، ويدل على ذلك كل قصائد المدح في ديوان الشعر العربي، فأينما كان الشعر قويا من الناحية الفنية كانت صورة الممدوح أكثر إشراقا، وأوفر نضارة _حتى وإن كانت حقيقة الممدوح خلاف ذلك_ وأينما ضعف الأداء الفني انعكس ذلك على صورة الممدوح ضعفا وهزالا حتى ولو كان هذا الممدوح في حقيقته صورة مثلى للقيم الفاضلة في مختلف تجلياتها.
    غير أن هذا القول يفقد مصداقيته في حالة واحدة فقط، هي مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، فكيفما كانت القصيدة بقوتها الفنية وإشراقاتها البيانية فإنها لا تصل إلى أن توفي هذا الممدوح العظيم حقه من التوقير والتبجيل، فما الذي سيقوله الشعر في حقه بعد ثناء رب العزة عليه؟ وهذا يعني أن منزلة (النبوة) دونها منزلة الفن، وأن منزلة الفن هي منزلة بين المنزلتين: النبوة والإنسانية، وليس أدل على ذلك من قول حسان بن ثابت في حق الرسول صلى الله عليه وسلم:
    وأجملُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني
    وأكملُ منكً لم تلدِ النساءُ
    خُلِقتً مبرءا من كلِّ عيبٍ
    كأنّك قد خُلقتً كما تشاءُ
    ولنقرأ هذين البيتين مرتين: مرة على أنهما قيلا في الرسول صلى الله عليه وسلم، ومرة على افتراض أنهما قيلا في شخص آخر، فسنلاحظ في قراءتنا الأولى أن هذا النص لا جديد فيه، وأنه رغم قوته البيانية والتعبيرية لم يوف الرسول حقه، أو انه لم يأت بجديد، فجمال الرسول لاشك متفرد، وكماله مثبت برباط العصمة التي منحته إياه منزلة النبوة، وقد خلق مبرئا من كل عيب، ولكتب السيرة في ذلك تفاصيل كثيرة، فإذا ما قارنا بين (الفن) المتمثل في هذا النص، وبين (النبوة) المتمثلة في شخص الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نجد أن الفن هنا قصر أن يوازي النبوة، وأنه لاشك في منزلة دونها.
    وفي قراءتنا الثانية التي نفترض فيها أن البيتين السابقين قيلا في شخص آخر غير الرسول، فسنجد هنا أن منزلة (الفن) المتمثلة في النص الشعري، أعلى مرتبة من منزلة (الإنسانية) المتمثلة في الشخص الممدوح، وأن الفن منح الممدوح أبعادا فنية ليست فيه، فهو ذو جمال متفرد، وكمال متميز، ومبرئا من كل عيب، وأنى لإنسان عادي أن يؤتى ذلك على وجه الحقيقة؟ وبمقارنة بسيطة بين القراءتين نجد أن عنصر المبالغة _باعتباره أهم الأدوات الفنية_ غاب تماما في القراءة الأولى، بينما توفر بصورة مكثفة في القراءة الثانية، وهذا يوصلنا إلى أن الفن يعمل عمله في الإنسانية لكنه يضل قاصرا أمام النبوة، وبتسليمنا بذلك يبرز سؤال كبير: كيف يمكننا إذا أن نتذوق نص المديح النبوي؟ وكمحاولة للإجابة على هذا السؤال نستعرض ديوانا جديدا في مدح الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم للوقوف على أدوات تذوقية ابتكرها الشعر لجعل القصيدة في هذا المقام ذات رونق خاص، وبهاء متفرد، وإن فقدت بعض أدواتها الفنية.
    لك يارسول الله في سياق الردود الفكرية على الرسوم المسيئة للنبي العظيم صلى الله عليه وسلم كان للشعر حضور واسع، وللنص الشعري اليمني على وجه الخصوص حضوره الأوسع، وفي هذا السياق جاء ديوان (لك يا رسول الله) للشاعر (هائل سعيد مسعد) مشتملا على ثمانية عشر نصا، ومقتصرا على القالب الخليلي، وربما رأى الشاعر أن القصيدة العمودية هي الأنسب في هذا المضمار، فماهي أهم مسارب تذوق قصيدة المديح النبوي في هذا الديوان؟ التصوير (الشعر ضرب من التصوير) هكذا قرر الجاحظ قبل قرون عديدة، وأيما شعر خلا من التصوير، فإنه يفقد أهم خصائصة الفنية، ويصبح نوعا من التصوير الفوتغرافي، ومصفوفة من المعاني الذهنية الميتة، وفي ديوان (لك يارسول الله) تبرز الصورة الشعرية بشكل مكثف، ابتداء من عنوان الديوان (لك يارسول الله) والنحو يقول هنا أن لفظة (لك) في محل خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هذا الديوان)، ومابعدها أداة نداء ومنادى مضاف، وأسلوب النداء هذا يوحي بحضور المنادى، والصورة الفنية التي يتخيلها الذهن هنا صورة شاعر يقف على استحياء مادا يده إلى الرسول الكريم بحزمة أوراق تمثل عصارة قلبه، وذوب وجدانه قائلا: (لك يارسول الله).
    ولأن الصور الشعرية مبثوثة في الديوان بشكل لافت، فإننا نكتفي بمقطوعة شعرية واحدة لنؤكد حضور أداة التصوير في هذه المجموعة الشعرية، وهذه المقطوعة هي:
    صلّتْ بمدحِ محمّدٍ أشعاري
    وشدت بذكر جماله أوتاري
    عاشتْ له روحي، وغنت أحرفي
    عزفت بالحان الهوى قيثاري
    روض الشمائل يامحمد هزّني
    ثملت بأطياب الهدى أزهاري
    عطّرت من ذاك الأريج مشاعري
    فسمتْ محلقة مع الأطيارِ
    أنت الذي شغف الوجود بحبّهِ
    لولاك عاش بمسرح الأكدارِ
    لك ياابن عبدالله في أعماقنا
    حب يفيض على مدى الأدهار
    فهذا النص على قصره يشمل مصفوفة من الصور: أشعار تصلّي، أوتار تشدو، أحرف تغني، قيثار تعزف، أزهار تثمل، مشاعر تسمو، وجود يحب حد الشغف، حب يفيض. كما أن هذه الأفعال المتكررة في المقطوعة منحت النص حركة مستمرة، ولنقرا البيت الأخير في المقطوعة، ففي نصفه الأول كلام ذهني مباشر: (لك ياابن عبدالله في أعماقنا حب)، وحتى يكسر الشاعر حدة الذهنية في هذه العبارة أردفها بصورة شعرية جميلة: (يفيض على مدى الأدهار).
    تجاوز المبنى إلى المعنى ذات مساء معطر بالنشيد حضره جمع من الناس، كان أحد المنشدين يتغنى بقصيدة في وصف الحج، والشوق إليه، كان نص الأنشودة من النوع العادي جدا، وعباراته متواضعة إلى حد كبير، وفيه من الخلل الموسيقي والتركيبي مافيه، وكان بجانبي أحد الشعراء يتمايل طربا مع النشيد وبين الحين والآخر يمسح دمعة تخنس من عينه، وظل هذا الموقف في ذهني مثار تساؤل: ماالذي جعل هذا الشاعر يبكي، والنص فيه ما فيه؟ حتى اهتديت إلى تفسير ذلك، وهو أن صوت المنشد الرائع جعل الشاعر لا يعيش مع النص، وإنما يعيش الاجواء التي يشير إليها النص، والمتمثلة في الديار المقدسة وأجوائها الروحية، وشعائرها العظيمة، متجاوزا النحو والصرف والعروض، وهذا إبداع من المنشد، فهل يتأتى ذلك في الشعر؟ نعم.. وذلك حين يعمد الشاعر إلى العزف على المعاني المؤثرة، فيأتي المعنى أكبر من اللفظ، وبذلك يتجاوز المبنى اللفظي إلى المعنى الوجداني، ومثل هذه الأداة هي التي تكسر المعاني الذهنية المجردة، وتحيلها إلى ساحات وجانية تبكي فيها القلوب والأرواح، فما بالك لو أن في النص مافيه من الوثبات البيانية، والإدهاش الفني، ومن هذا القبيل في ديوان (إليك يارسول الله):
    أخلاقه أسرت عتاولة الشقا
    فإذا العتلُّ يجود بالعبراتِ
    وإذا الذي وأدَ البراءة خاشعاً
    متبتّلاً يخشى من الهِنّاتِ
    ويقول: لو عثرت بأرضِ بغلةُ
    لسُئلتُ يوم العرضِ في العرصاتِ
    يبكي إذا سمع الأنينَ بنملةٍ
    ويودُّ لو تشفى من الأنّاتِ
    السيرة بلغة الشعر
    يختزل الديوان في طياته الكثير من مواقف السيرة النبوية العطرة، ابتداء بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم، مرورا بمواقفه قبل البعثة، ثم إشراق شمس النبوة، وما لاقاه الرسول من أصناف العنت والصدود، ثم هجرته الشريفة إلى طيبة، وبناء المجتمع الإسلامي، ثم معاركه التي خاضها، وما تلاها من أحداث عظام. والشاعر في كل ذلك يتكئ على لغنة فنية راقية، ومشاعر مشبوبة، تعيش الحدث بمنظار فني تختلط فيه عظمة الحدث برقة الشعور، ومن أمثلة ذلك قوله في الميلاد:
    ولد النبي محمّدٍ فتهلّلتْ
    أرجاء مكةَ أشرقتْ انوارا
    وقوله في البعثة:
    الله أكبرُ هاديا ونصيرا
    بُعثَ النبيُّ مبشّرا ونذيرا
    وفي موضع ثالث يقول:
    ببطحاء مكة لاقى الأذى
    سعيرا يؤجّجُهُ الكافرُ
    وفي ذات القصيد يقول عن الهجرة الشريفة من مكة على المدينة:
    أسرَّ لها القولَ يوم النوى
    وشجوُ مشاعره غامرُ
    لأنتِ أحبُّ البقاع إليَّ
    ولكنَّ قومك قد كابروا
    فودّعها وانثنى راحلا
    بحزنٍ ومن قومه حاذرُ
    ومما يُحسَبُ لهذه المجموعة الشعرية أنها جاءت ـ من بين عدد قليل من المجموعات الشعرية ـ خالصة مخلّصة في استجلاء ملامح العظمة في نبينا الكريم، ولا شك ان هذه العجالة لم توفَها حقها من الدرس والاستقراء، وحسبها أنها أشارت إليها حبا في مجالها الأنقى، ومقامها الأرقى صلوات الله وسلامه عليه.

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين أبريل 29, 2024 2:16 am